الأحد، 30 نوفمبر 2008

كيف تحج و انت في بلدك ؟

الحمد لله وحده
و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
أما بعد
فالحمد لله الذي من علينا بهذه الأيام الطيبة المباركة

هذه كلمة أهديها للمخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين لم يتيسر لهم الحج حتى الآن:

"لا تحزن !! فقد جعل الله تعالى لك عِوضاً عن ذلك، ولا تيأس!! فالله عز وجل لا يُكلِّف نفساً إلا وُسعها ، فقد يكتب الله عز وجل لك أجر الحاج ، وزيادة ... بنيِّتك الصادقة ، وشوقك الحقيقي، ولهفتك غير المصطنعة ...ولكن إلى أن يكتب الله تعالى لك أن تحج، لا تضيِّع وقتك ؛ فالوقت هو عُمرك، وأقبِل على أبواب الخير التي فتحها الله تعالى لك على مصراعيها، وتذكر أن أبواب الجنة لا تُغلَق أبداً في وجه من يطلبها ، و لك أن تُقيم في قلبك جبل عرفات خاص بك، وتدعو الله بما شئت طوال يوم عرفة، و لك أن ترجم الشيطان في كل لحظة من لحظات حياتك، فالحاج الذي يرجم الشيطان ثم عاد ليرتكب المعاصي يكون قد رجم الشيطان بيده فقط، دون روحه، والله غني عن هذا الرجم الشكلي !!! فالرجم الحقيقي هو: أن تنتصر على الشيطان، وتعصيه لتطيع الرحمن !!!! و لك أن تتخفف من متاع الدنيا قدر المستطاع ، فما بقي من الدنيا أقل بكثير مما مضى. و لك أن تسامح وتعفو، وتُصلح بين المسلمين .. و حاشا لله العظيم الكريم أن يعطي عباده و يحرمك ....و ما ربك بظلام للعبيد .


هل لنا أن ننال ثواب الحج و فضله و نحن في بلادنا؟

يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم:" ما من أيام، العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام) -يعني أيام عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري.

فهذه الأيام المباركة فرصة عظيمة لكل المؤمنين في الأرض الذين لم يوفَّقوا إلى الحج ، ففي نفس الوقت أنت في بلدك، بعيد عن مكة آلاف الأميال ، ولكنك تحصِّل من الأجر ملا يُحصَى ولا يُعَد من الحسنات ,,بل إن ثوابك قد يفوق ثواب الحاج ،لأن صِدق نيَّتك وحُرقة قلبك لأنك لم تحج، وشوقك إلى الطاعة تعينك على الإخلاص في الطاعات في هذه الأيام ، بينما الحاج قد يخسر الأجر بسبب عدم إخلاص النية لله ، أو بسبب الرياء، أو الجدال ،أو لأنه لم يؤدِّ حقوق الناس عليه قبل الذهاب للحج ،أو غير ذلك!!!.

كيف ذلك؟!!!


1- الصيام :حاول أن تصوم الأيام التسعة، أو أن تُفطِّر صائمين ولو على شَربة ماء،أو تمرة

وإن لم تصُم الأيام التِسعة فاحرِص على صيام يوم عرفة الذي يكفِّر صيامه ذنوب سنتين كاملتين : سنة ماضية وسنة مُقبلة ، ويعتق الله تعالى فيه الرِّقاب ، فأنت بذلك تُشبه الحاج الذي يعود بصحيفة أعماله بيضاء، ويعود وقد أُعتقت رقبته بإذن الله .

2-صلاة الجماعة :وذلك للرجال في المسجد ، والصلاة في أول وقتها للنساء ( وهو أمر مطلوب في كل الأيام، ولكن شياطين الإنس والجن يبعدوننا عن طاعة الله ) لذلك فهو يرزقنا بأيام مباركة فيها نفحات في أوقات متفرقة من السَّنَة تُذكِّرنا ، و تُعيدنا إلى الطاعة ) ولاحِظ أن المحافظة على صلاة الصُّبح في جماعة في وقتها( في وقت الفجر) فريضة ، فثوابها لا يُقدَّر…ويكفي أن تعرف أن ثواب سُنة الصُّبح ( أي صلاة الفجر) خيرٌ من الدُنيا وما فيها، فكيف بثواب الفريضة؟!!!!

وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم:" مَن غَدا إلى المسجد أو راح ، أعدَّ الله له نُزُلاً في الجنة كُلَّما غدا أو راح" رواه البخاري

ألستَ تتمنى وعد الله تعالى للحجاج بالجنة ؟ كمال قال صلى الله عليه وسلم :"العُمرة إلى العُمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "؟ رواه البخاري.

أنت مثلهم لديك فُرصة كي يُبنَى لك منزلاً في الجنة في كل مرة تذهب فيها إلى المسجد !!!!

هذا بالإضافة إلى قيام الليل ، الذي يكون له في هذه الأيام فضل كبير عند الله تعالى ، لأنه أقسم بها قائلاً:﴿والفَجر، وليالٍ عَشر ﴾ ..مع ملاحظة أن الدعاء في قيام الليل مستجاب يقينا ً.فمن مِنَّا ليس له حاجة عند الله الكريم الوهَّاب ؟؟!!

إن أمامك فرصة لقبول دعاءك، وما عليك إلا أن تقوم قبل الفجر ولو بنصف ساعة ، فتقف بيد يدَي مولاك، وتناجيه وتطلب منه على قَدر مُلْكه وكرَمه .

كما أذكِّر نفسي وإيَّاك بالسُنن القبلية و البَعدية التي تُسمَّى بالسُنن الرواتب ، و لك أن تتخيل لو أن أحداً من ملوك الدنيا وعدك بأن يبني لك شقة فاخرة على النيل، أو فيلا فاخرة في الساحل الشمالي مثلاً ، في مقابل أن تتفرغ له نصف ساعة كل يوم ، فهل تقبل؟.....فما بالك بمالِك المُلك الذي يملك السَّماواتِ والأرضِ ومَن فيهن الذي وعدك بأن يبني لك بيتاً ((ليس في الدُّنيا الفانية ، وإنما في الجنة )) في كل يوم تصلي فيه هذه السٌنن الرواتب!!

3- ذِكر الله عز وجل : فالذِّكر في هذه الأيام له وضع خاص، فقد أمرنا سبحانه بذكره فيها قائلا ً:﴿وَ اذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ سورة البقرة

، أي في أيام الحج، فالحاج يقضي يومين أو ثلاثة بمِنى لا يفعل سوى الصلاة ، والذِّكر، و الأكل والنوم !!!!! وذلك بالتسبيح والاستغفار والتهليل والتحميد، والدعاء ، و من كرم الله تعالى لهم أن يغفر لهم، وان يجيب دعاءهم...فكُن مثلهم في الدعاء والاستغفار؛ وذلك في جميع أوقاتك :وأنت تركب المواصلات ، وأنت تؤدي الأعمال الروتينية التي لا تحتاج لتفكير .

5- الدعاء: فالدعاء كما قال صلى الله عليه و سلم : " الدعاء هو العبادة" (صحَّحه الألباني)
وإذا كان الحجاج لهم فُرَص لدعوات مستجابة لا تُرد ،منها مثلا ً: عند رؤيتهم للكعبة للمرة الأولى في رحلتهم ، وفي الطواف، وعند الرُكن اليماني من الكعبة ، وفي المُلتزَم، ، وفي الحِجر، وعند السَّعي بين الصفا والمروة ،وعند الشُّرب من ماء زمزم، وعند رمي الجمَرات ، ويوم عرفة...فالله عز وجل لم يحرِم كل الأمَّة الإسلامية من فُرص يُستجاب فيها الدعاء، مثل الثلث الأخير من الليل ، وبين الأذان والإقامة ، وعند نزول المطر، وفي وضع السجود، وعند إفطار الصائم، وعند ختم القرآن ...وغير ذلك .

6-تلاوة القرآن : ولعلك تعلم ما لتلاوته من فضل ، فالحرف منه بعشر حسنات ، والله يُضاعِفُ لِمَن يشاء؛فقد يعطيك الله تعالى بفضله على الحرف عشرين حسنة أو سبعين ، أو مائتين أو أكثر.... فإذا استطعت أن تقرأ القرآن كله في الأيام التسع من ذي الحجة ، وتختمه في يوم عرفه،فإن فرصة استجابة دعاءك تكون أعلى في هذا اليوم ، كما أنك تحصل على كم هائل من الحسنات ، بعدد حروف القرآن ، التي عدها 321000 ، إذن

321000حرف x 10 حسنات = 3210000 حسَنة

7- تحقيق معنى الوحدة بين المسلمين : إذا كان الحُجاج سيتعرفون على مسلمين من شتى بلدان العالم ، أو على الأقل يجاورونهم ، ويتعاملون معهم، ويتعاونون على البِر والتقوى ، فأنت تستطيع أولا ًأن تبر والديك وتُدخِل السرور على قلوبهما ، وإن كانوا أمواتاً فيمكنك الدعاء لهم ،والتصدُّق على أرواحهم ، وزيارة أقاربهم وأحبابهم ؛ ثم عليك أن تجمع أسرتك ا لصغيرة وتُصلح بينهم ، ثم تنتقل إلى أرحامك وأقاربك فتُصلِح بينهم وتزورهم ، وتقضي حوائجهم ؛ ثم تنتقل إلى جيرانك ، و زملائك و أصدقائك ، فتُصلح بين المتخاصمين منهم ، وتزيل الشحناء التي بينهم وتُحسن إليهم ولو بكلمة طيبة ، ولو بابتسامة ، أو نصيحة في الله ....
و إستمع إلى تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة قاطع رحِم " !!! رواه الترمذي
ثم إلى بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحب أن يُبسَط له في رِزقه ويُنسأ له في أثََرِه(عُمرِه) فليصل رحمه» رواه البخاري ومسلم. والمُراد بزيادة العمر هنا إما: البركة في عمر الإنسان الواصل لرَحِمه على أرجح الأقوال .
أما عن زيارة أخيك في الله ، وخاصة إن كان مريضاً ، فيقول عنها صلى الله عليه وسلم : " (من عاد مريضا أو زار أخا له في الله : ناداه مُناد ٍأن طِبْتَ وطاب مَمشاك, وتبوَّأتَ من الجنة منزِلا)."

8- الصَّدقات : يقول الله تعالى : " وما تُنفِقوا من خير يُوفَّ إليكُم وأنتم لا تُظلَمون " فهذه أيام فرح وسرور ، وعيد ، وفقراء المسلمين في أمس الحاجة لأن تُدخل السرور على قلوبهم ، ولا شك أن أجر الصدقة مضاعَف في هذه الأيام عن غيرها . قال صلى الله عليه وسلم : " النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف "رواه أحمد و البيهقي وصححه السيوطي.

أي أن الجنيه الذي يُنفق في الحج يكون ثوابه مثل ثواب إنفاق سبعمائة جنيه ، والألف جنيه ، بسبعمائة ألف جنيه ....فإذا كان هذا جزاء الحجاج، فما رأيك أن تتصدق ولو بأقل القليل من متاع الدنيا ... لعل الله تعالى يكتب لك مثل أجر الحجاج ، بصدق نيتك في تمنِّي الحج ، المهم ان تتصدق من مال حلال .

9- البُعد عن الترف والرفاهية من أمور الدنيا قدر المستطاع في هذه الأيام، وذلك لتشعر بمشاعر الحجاج، ولقد قال صلى الله عليه وسلم:" إذا دخلَت العَشر، وأراد أحدكم أن يضحِّي فلا يمَس من شعرِه وبشَرِه شيئاً " رواه مُسلم ، وفي رواية أخرى:" فلا يمسَّن شعراً ، ولا يقلِّمَنَّ ظُفرا ً" أي يكون مثل المُحرِم للحج في شكله، لا يحلق شعره، ولا يقص أظافره ، ولا يضع الطيب( العِطر).


10- الأُضحية (لمن بستطيع ) إن الأضحية من أعظم القُرُبات إلى الله تعالى ، كما أنها تجعلك تعيش تماماً كالحاج الذي ينحر الهَدْي ، ويكفي أن أذكر لك في فضله حديثين: " ما عمل ابن آدم يوم النَّحر أحب إلى الله تعالى مِن هراقة(إراقة ) دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإنَّ الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نَفسا ً" رواه ابن ماجة .

وهكذا ترى أن الكريم المنَّان قد أعطاك بدائل من أعمال الخير التي يمارسها الحجاج ، وينالوا عليها عظيم الأجر ، فضلاً عن ثواب الحج إذا كنت صادق النيَّة في رغبتك في الحج ، ولا تستطيع ذلك.

أسأل الله عز وجل لكل من لم يحج أن يرزقه الله تعالى من الأعمال الصالحة ما يُرضيه عنه،
وأسأله العِزة والرِّفعة والتمكين لهذا الدين العظيم.
وأسأله الجنة بدون حساب ولا سابِقة عذاب لي ولكم ولسائر المسلمين ، آمين

وصلى الله وسلم وبارَك على سيد الخَلق أجمعين،
وعلى آله وصحبه أجمعين .

****
كانت السطور السابقة ملخصاً لمحاضرة الدكتور راغب السرجاني
،بعنوان :" الحج ليس للحجاج فقط " ، بتصرُّف يسير
أبو سامي

هناك 4 تعليقات:

El_DocToR يقول...

اللهم امنحنا اياها واكرمنا بزيارة بيتك العتيق يا رحمان يا رحيم

بارك الله فى كل من ساهم فى هذا العمل العظيم

العقل المدبر يقول...

و جزاكم خيرا يا دكتور........

الفارس الاسمر يقول...

هايل ممتاز رائع افحمتونا
ابو سامى وجريشه ثلاثى الرعب
طبعا انتو ثنائى
بس انا خميت ف العد

بس بجد الكلام جميل
وانا مستنى الجديد

صالح

العقل المدبر يقول...

إلى الفارس الأسمر...
جزاك الله خير على المشاركة...
ربنا ينفعنا جميعا بالكلام ده..
و نكون دايما عند حسن ظنكوا.......
بس ابقى عد كويس